«أصدقاؤنا الأعزاء في موسكو».. كتاب يناقش التحول في الإعلام الروسي
«أصدقاؤنا الأعزاء في موسكو».. كتاب يناقش التحول في الإعلام الروسي
"أصدقاؤنا الأعزاء في موسكو: القصة الداخلية لجيل محطم" هو كتاب يروي التحولات التي مر بها جيل من الصحفيين الروس الذين شهدوا بعيونهم انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور روسيا الحديثة في ظل حكم فلاديمير بوتين، الكتاب من تأليف الصحفيين الاستقصائيين: أندريه سولداتوف، وإيرينا بوروغان، اللذين كانا من بين الصحفيين المبدعين الذين عملوا في الصحافة المستقلة في التسعينيات.
وفقاً لعرض قدمته مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، يقدم سولداتوف وبوروغان هذا العمل كوثيقة حية لمسار الصحافة الروسية وكيف تغيرت مواقف الصحفيين من المثالية إلى دعم السلطة.
يبدأ الكتاب بتسليط الضوء على جيل الصحفيين الذين نشؤوا في التسعينيات، وهي الفترة التي شهدت تفاؤلاً غير مسبوق بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، ففي تلك الفترة، شهدت روسيا انفتاحًا إعلاميًا واضحًا، فتمكن الصحفيون من الوصول إلى الأرشيفات السرية، والتحدث مع المسؤولين بصراحة، واكتسبوا حرية لم يسبق لها مثيل في التاريخ الروسي الحديث، وكان كل شيء يبدو ممكنًا، وبدأ الصحفيون في تشكيل صحافة مستقلة وقوية يمكنها مراقبة السلطة وتحديها.
الصحافة تحت ضغط السلطة
ووفقاً لـ" فورين بوليسي" مع وصول فلاديمير بوتين إلى الرئاسة في عام 2000، تغيرت الأمور بسرعة، في البداية، استفاد بوتين من الدعم الشعبي بسبب خلفيته في الاستخبارات الروسية (KGB)، ولكن مع مرور الوقت بدأ الضغط على الصحافة المستقلة يتزايد بشكل كبير.
وعندما بدأت وسائل الإعلام المستقلة في انتقاد سياسات بوتين أو تسليط الضوء على الفساد، بدأ الكرملين في فرض قيود على حرية الصحافة.
أُغلقت وسائل إعلام عدة أو تم شراؤها من قبل رجال الأعمال المقربين من السلطة، ما حدّ من قدرة الصحفيين على العمل بحرية.
الصحفيون المتحولون
في هذا الكتاب، يقدم سولداتوف وبوروغان تحليلاً عميقاً للتغيرات التي طرأت على الصحفيين الذين كانوا في يوم من الأيام من المدافعين عن الحرية، يستعرض الكتاب قصص ستة صحفيين بارزين في روسيا، كانوا في البداية في صف الصحافة الحرة، ولكنهم مع مرور الوقت تحولوا إلى دعم أو تبرير سياسات بوتين.
وبدا تحليل هذا التحول مهماً؛ لأنه يعكس الصراع الداخلي الذي يعيشه الصحفيون الذين يواجهون تهديدات من الدولة ومن المجتمع في الوقت ذاته، بعضهم وجد نفسه يبرر القمع، في حين اختار البعض الآخر مغادرة البلاد أو التوقف عن العمل في الصحافة.
أحد الجوانب المثيرة في الكتاب هو تناول العلاقة بين أندريه سولداتوف ووالده أليكسي سولداتوف، الفيزيائي النووي الذي كان له دور مهم في دعم مسيرة ابنه الصحفي، أليكسي الذي كان يعد من الشخصيات المحورية في المجتمع العلمي الروسي، وتم تعيينه نائبًا لوزير الاتصالات، لكنه أيضًا كان من بين أولئك الذين واجهوا قمع الكرملين بعد أن دخلوا في صراع سياسي مع السلطات.
تكشف هذه العلاقة عن تعقيد التضحية الشخصية والتوازن بين الانخراط في العمل الصحفي والتحديات التي تواجهها العائلات في ظل ضغوط السلطة.
الصراع مع السلطة
في الكتاب، يتحدث سولداتوف وبوروغان عن الضغوط المتزايدة على الصحافة المستقلة من جانب الحكومة، وكيف أن بعض الصحفيين قد اختاروا تحالفات جديدة مع رجال السلطة في مقابل الحفاظ على وظائفهم وحريتهم الشخصية، هؤلاء الصحفيون الذين وقعوا في فخ التواطؤ مع النظام بدؤوا يشهدون كيف يتم تدمير الصحافة الحرة خطوة بخطوة، حيث تغلق وسائل الإعلام المستقلة، ويتم تقليص مساحة الحريات الفكرية والنقدية.
"أصدقاؤنا الأعزاء في موسكو" هو كتاب يعكس التغيرات العميقة التي مرت بها الصحافة الروسية منذ التسعينات وحتى اليوم، حيث يقف الصحفيون في مواجهة تحديات كبيرة تراوح بين القمع السياسي والرقابة الذاتية.
ومن خلال هذه السرديات الشخصية العميقة، يعرض الكتاب ليس فقط ما حدث مع الصحفيين، بل أيضًا يعرض سؤالًا أكبر: هل يمكن للصحافة أن تكون فعلاً حرة في ظل نظام سلطوي؟ يقدم الكتاب لمحة عن التحولات التي حدثت في روسيا، ويطرح تساؤلات حول مستقبل الصحافة في أنظمة سياسية شديدة التحكم.